jeudi 13 mai 2010

وداعا

تلك كانت حياتنا بذاك البلد الشديد السواد و البرد
يوم تقابلنا لأوّل مرة في إطار البعثة العلمية
كانوا كلهمّ متحمسين فرحين لمغادرة الوطن نحو أفق أوسع
لم نكن نعرف بعضنا
جمعنا ذلك الإحساس بالغربة و ملامح التردد البادية على محيّانا
قاعة الانتظار التي عجّت بحوارات المتكالبين على السفر
و كرسيّان متفرقان من حيث المساحة
يجلس عليهما شخصان متشابهان في التوتر
إيقاع عصبيّ موزون برجليهما اليسرى و تأفف متزامن أعلن لكليهما عن تواجد شبيه له في هذا الكمّ الهائل من الاغتراب
نظرة اعتباطية مسترقة بين ذراع الفتاة الواقفة و جذعها
نظرة تتساءل من الآخر المهموم هنا غيري؟
فتاة في مقتبل العمر
و شاب في الثلاثين
ثم أرضت النظرات فضولها و عادت تراقب خطوات المارين أمامها
و عادت لتتشابك في الطائرة

...

جمعتنا أيام الغربة و الشباب و الفن و الثورة
غربة ريثما تجاوزناها معا
و شباب أغدقناه على بعضنا البعض
و فنّ تغربنا لنطوّره
و ثورة اخترناها أو اختارتنا فحفّت أيامنا بشئ من الخصوصية

جمعتنا تلك الشقة الخالية من كل ما ييسّر العيش
مملوءة بالأفكار و الإبداعات و العواطف و اللهفة
جمعتنا تلك البساطة القريبة من الفقر
الحاشية الملقاة أرضا و الحمام الضيّق و المطبخ القاحل و الشرفة المليئة بالزهور التي اخترناها معا
كل ركن من تلك الشقة يذكر حواراتنا و جدلنا و جلساتنا و طموحنا و غبائنا
الجارة "سيلفيا" عايشت خصوماتنا مع المؤجّر

...

جمعنا الدرج الكاحل السواد ... كم من مرة تتطايحنا على رخامه القديم المتشقق و كم من مرة تعثرت خطواتنا في ثناياها
شهد على شجاراتنا و سكراتنا و سهراتنا و خطانا المثقلة تعبا و اضطهادا

...

ثم...

عدنا إلى الوطن بكم من الشهادات و الكثير من الشهود على حبنا القويم
تغير المكان و لم يتغير الكيان
تغير المناخ و أوقد نيراننا أكثر و أكثر
واصلنا على نفس وتيرة العطاء ... للحبّ للفن و للثورة

و فجأة و دون سابق إنذار ...

يوم قررت تبديل شقة الغربة بالقصور المرتفعة الأسوار
يوم قررت الصعود من الأرض إلى فراش حريري
يوم قررت "الاستقرار" ذلك المصطلح الذي لا أفهمه إلى غاية اليوم
قررت الانسحاب الفجئي
من الحب
من الفن
و من الثورة

لم يتّسع لي أن أفهم شيئا
العهد و قطعناه معا
ثلاثي لا يستقيم الا باجتماعنا معا
...
و لم يسعني الا أن أغادر صورة الحبيبة الفنانة الثائرة إلى عالم غريب مخالف
عالم ليلي لا يعرف ضوء النهار
عالم قلّما حثني على التفكير

...

وداعا أيتها الشمس البازغة

Aucun commentaire: